زفاف القاصرات.. موت مبكر بمخيم النازحين في السليمانية

بخطوات متثاقلة دخلت الثلاثينية “الحامل” إلى غرفة مديرة مدرسة النازحين متسائلة: “أين مُدرّسة الجغرافيا لو سمحتم؟ أنا أم الطالبة نورس”.

عرفت المدرسات الموجودات في المكان الاسم فور سماعه، فنورس متغيبة عن المدرسة منذ ما يقارب أسبوعين.
أين نورس؟
-أين نورس؟ لماذا انقطعت عن المدرسة؟ ردت المديرة.

  • إنها في تكريت الآن برفقة والدها، المحكمة هناك [الله لا يوفقهم] أخروا معاملة زواجها والعقد على ابن عمها.
    استغرب الجميع الفكرة، فنورس لم تبلغ الثالثة عشرة من عمرها!
    بادرت إحدى المدرسات بالقول بنبرة حادة:
    لا تقولي [الله لا يوفقهم] بل بالأحرى: شكرا للمحكمة التي منعت هذه الجريمة بحق ابنتك!
    نورس الطالبة قبل أن تتم عامها الثالث عشر نزحت برفقة والديها وإخوتها هربا من الأحداث التي عصفت بالمدن العراقية في صلاح الدين والأنبار والموصل وسواها وما خلفه احتلال داعش وعصاباته من دمار، ليستقر بهم الحال في السليمانية، ولكون العائلة ذات إمكانيات محدودة -على حد وصف الأم- ولكون سلطة الوالد وإخوته هي العليا ارتأوا أن يكون الطريق الذي تسلكه نورس في ظل هذا الظرف الصعب هو طريق الزواج بابن العم الذي يكبرها بخمس سنوات فقط!
    الزواج المبكر محظور
    ورغم أن القانون العراقي وقوانين إقليم كردستان النافذة تحدد العمر القانوني للزواج وهو 18 سنة، تتم عقود قران كثيرة لفتيات وشبان دون الثامنة عشرة من العرب والايزيديين، سواء في مخيمات النزوح أو سواها يقوم عليها علماء دين، ولا تجري الدوائر الحكومية لهم أي معاملات، فالزواج المبكر محظور حسب القوانين النافذة في الإقليم، لذلك لجأت أسرة نورس في النهاية بعد أن يئست من إمكانية تصديق عقد الزواج في المحاكم الرسمية إلى عقد القران على يد عالم دين، وهو ما يعني أنه لا حقوق لهذه الفتاة، حسب القانون.
    توفت ليلة زفافها
    ويذكر الطبيب الدكتور أحمد فاضل الاختصاصي في مدينة فاروق الطبية إن للزواج المبكر من الضرر ما يرافق الفتاة لمراحل متأخرة من حياتها، حيث يتذكر بشيء من الحزن تلك الصبية التي لم تكن قد أتمت عامها الرابع عشر وتوفيت جراء نزيف حاد بسبب تمزق الرحم ليلة زفافها!
    نمو غير مكتمل
    ويضيف “أجساد الفتيات في هذا السن تكون غير مكتملة النمو، ولذا يترتب كثير من المضاعفات على ذلك” مضيفا أنها ستكون “عرضة لخطر الولادة القيصرية لأن الحوض لن يكون قد اكتمل بعد، كما تتعرض لخطر التسمم بالحمل، إضافة لاضطراب الدورة الشهرية وازدياد حالات الإجهاض”.
    وأكد “يتجاهل الأهل كل هذه التحذيرات، لأن المجتمع يطالبهم بتزويج بناتهم في حل سهل يخلصهم من المسؤوليات”.
    حجة زواج قاصر
    أما السيد فاروق محمد المحامي في قضايا الأحوال الشخصية بإقليم كردستان فيقول “في إقليم كردستان إذا كان عمر الفتاة ١٥ سنة يمكن عقد قرانها بشرط موافقة المحكمة، أما إذا تم زواج القاصر بدون موافقة المحكمة فإنه يحال الزوج إلى محكمة التحقيق ومن ثم يحال الموضوع إلى محكمة الجنح. ويحاكم الزوج بعقوبة لا تقل عن ستة أشهر مع وقف التنفيذ وتصدر حجة زواج عن الواقعة”.
    مشروع طالبة متفوقة
    “كانت مشروع طالبة متفوقة للأسف”، تتحدث سحر طه وهي مديرة ثانوية للنازحات في السليمانية بأسى عن تلميذتها نورس. وتسترسل “نورس ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بلا شك، فظرف الطالبات الاستثنائي اقتصاديا واجتماعيا دفع بعائلاتهن للاستسلام للأمر الواقع، واللجوء لزواج ينتهي غالبا بالطلاق بسبب صغر أعمار المتزوجين، وعدم إدراكهم لحجم المسؤوليات المترتبة على هذا القرار”.
    وغالبا يكون مصير الفتيات القاصرات الاستسلام للأمر الواقع وتحمل عواقب قرار أهلهن غير المدروس.
    مشروع “عورة” لا أكثر
    وما نسب الطلاق المخيفة التي بدأت تغزو المحاكم العراقية إلا دليل واضح على الأساس الخاطئ الذي عقد الزواج لأجله، متناسين كمّ المعالجات التي بإمكانها التعامل مع أوضاع مماثلة بحلول بديلة كالحرص على إتمام الفتيات لدراستهن وتقديمهن للمجتمع كسيدات قادرات على صنع القرار، مكتفيات بذاتهن من خلال غرس الثقة الكافية في أنفسهن والعمل على تنشئتهن ببيئة تضمن لهن الحماية الكافية من عين مجتمع ترى في الأنثى مشروع “عورة” لا أكثر.