قصر الأخيضر: جنوب الحضارة
تزخر محافظات جنوب العراق بعدد كبير من المواقع الأثرية الموغلة في القدم، يقول خبراء إنها عبارة عن تاريخ تمكن مشاهدته أيضاً وليس قراءته فقط. تتوزع تلك المواقع على عصور ما قبل الإسلام، وما بعده، إضافة إلى المدن الأثرية كبابل وأور وغيرها. من بين هذه الأماكن، قصر الأخيضر، في محافظة كربلاء جنوبي العراق.
يقع حصن الأخيضر في بادية كربلاء على بعد 70 كم من الكوفة غرباً، ونحو 100 كم من بغداد شمالاً، ويبعد عن مدينة عين التمر القديمة نحو 20 كم فقط، وهو طريق عرب العراق وبلاد الشام في التجارة قديماً، كما أن موقعه الاستراتيجي جعله يبدو كخط دفاعي رئيسي في البادية الجنوبية للعراق، وكموقع لحماية القوافل بين العراق وبلاد الشام.
يعزز ذلك طريقة بنائه وسوره الدفاعي المنيع مع وجود تحصينات دفاعية سميكة من الجدران التي يبلغ عرضها قرابة خمسة أمتار، ولا يتخللها إلا فتحات في أعلى السور لغرض رمي السهام، والزيت الساخن.
الحصن بني على شكل مستطيل، بطول يصل إلى 176 متراً، وعرض يقارب 170 متراً. وقد بنيت جدرانه الخارجية من الحجر والنورة. ويضم داخله عشرات القاعات والأروقة.
أما في ما يخص تاريخ إنشائه، فقد اختلف المؤرخون، وعلماء الآثار العراقيون حوله، لكن الروايات المتطابقة على الأكثر تؤكد أنه شيد في العصر العباسي من قبل الخليفة أبو العباس السفاح، أي نحو عام 161 للهجرة/778 للميلاد.
قول الباحث في مجال الآثار العراقية سعد موسى إن الأوضاع الأمنية المتدهورة في العراق خلال السنوات الماضية لم تمنع السائحين من المجيء إلى قصر الأخيضر للتمتع بما يحتوي من هندسة تمكنت من الصمود طيلة القرون الماضية. يضيف: “يمكن القول إن قصر الأخيضر يعد من الأماكن السياحية المهمة في كربلاء”، مبيناً انه محطة لجذب الزائرين طيلة أيام السنة.
يتابع: “علمنا من الروايات المتداولة أن تسميته جاءت بسبب وجوده ضمن مساحات زراعية خضراء في محيطه”، موضحاً أن الاهتمام به، وتطوير بعض مرافقه سيحوله إلى مكان سياحي مميز في العراق”.
وهذا ما يؤكده علاء عبد الصاحب، وهو مسؤول محلي سابق في كربلاء. يقول لـ “العربي الجديد” إن السياحة في كربلاء يجب ألا تقتصر على الزيارات الدينية الموسمية، مشيراً إلى أن تطوير قصر الأخيضر، وصيانة مرافقه، قد يوفران دخلاً سياحياً إضافيا للمحافظة.
يوضح: “عانى القصر من إهمال الحكومات المحلية السابقة في كربلاء، حاله حال أي موقع أثري آخر”، مبيناً أن هذا الامر يحتم على المؤسسات المعنية في المحافظة العمل بجدية على تطوير القصر لمنحه قدرة أكبر على استقطاب الزوار.
قبل الاحتلال الأميركي للعراق 2003، أقيمت مهرجانات وفعاليات فنية داخل الحصن، إلا أنه ومنذ نحو 15 عاماً اقتصر نشاطه على الزيارات التي تقوم بها فرق سياحية أجنبية ومحلية إضافة إلى السفرات المدرسية لمطالعة واحد من أبرز التحف المعمارية العربية الإسلامية.