مسيحيون: ننتظر الفرصة المناسبة للهجرة
حيدر علي
من أعلى بناية كنيسة ام الاحزان الكلدانية في جنوب العراق يبرز شاخصا ناقوسها الاثري ليصدح بصوت أجراسه صدى الماضي القريب عندما كانت محلة التوراة “المحمودية” والتي تأسست فيها هذه الكنيسة عام ١٨٨٠ م، تحتضن المئات من العائلات المسيحية، وكيف كانت تلك العائلات تتوافد خلال أعياد الميلاد المجيد لإحياء مراسيم القداس والصلاة.
وتشكل المسيحية ثاني أكبر الديانات في العراق من حيث عدد الاتباع بعد الإسلام، وهي ديانة مُعترَف بها حسب الدستور العراقي؛ حيث أنه يعترف بأربعة عشر طائفة مسيحية في العراق مسموح التعبد بها. يتوزع أبناؤها على عدة طوائف ويتحدث نسبة منهم اللغة العربية لغةً أمًّا في حين أن نسبةً منهم تتحدث اللغة السريانية بلهجاتها العديدة واللغة الأرمنية. يُعتبر مسيحيو العراق من أقدم المجتمعات المسيحية المستمرة في العالم، والغالبية العظمى منهم هم من الآشوريين الأصليين الناطقين باللغات الآرامية الشرقية. هناك أيضاً مجموعة صغيرة من الأرمن والتركمان والأكراد والعرب المسيحيين. ويعيش المسيحيون في المقام الأول في بغداد والبصرة وأربيل ودهوك وزاخو وكركوك وفي البلدات والمناطق الآشورية مثل سهل نينوى في الشمال.
تعود هجرة مسيحيي العراق إلى بداية القرن العشرين، لتتصاعد متأثرة بعوامل اقتصادية واجتماعية خصوصًا بعد حصار العراق وحرب الخليج الثانية، إلا أن وتيرتها تسارعت بشكل كبير في أعقاب غزو العراق عام 2003 وما رافقه من انتشار لأعمال العنف الطائفي، وبحسب تقارير صحفية “انخفض عدد الطوائف المسيحية في العراق إلى النصف في السنوات الأخيرة بسبب الهجرة، حيث قُدِر عددهم بحوالي مليون نسمة في عام 2013 لكن انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة، حيث تم استهداف الكنائس والمجتمعات المسيحية والتي شملت أعمال اختطاف وتعذيب وتفجيرات وقتل في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن اجتياح داعش الإرهابي لمناطق في شمال العراق كانت تعد موطناً رئيساً للسكان المسيحيين حيث تشير احصائيات لمنظمات مسيحية في سهل نينوى وحده بأكثر من 100 ألف شخص، قبل أن يُهجّر تنظيم “داعش” 90 في المئة منهم عقب سيطرته على معظم محافظة نينوى منتصف عام 2014، ليجدوا أنفسهم في محافظتي اربيل ودهوك القريبتين، فيما البقية ظلت في مناطقها الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة الكردية والتي لم يصلها “داعش”، كناحية القوش وبعض القرى التابعة لها.
وبحسب بيانات تقديرية لمنظمات وأحزاب مسيحية، إلى أن نسبة العائدين بعد استعادة المنطقة في 2017، لا تتجاوز الـ50 في المئة كمعدل عام. قضاء الحمدانية (نحو 32 كلم جنوب شرقي الموصل) وحده كان يقطنه نحو 67 ألف مسيحي، يتوزع 50 ألفاً منهم في قره قوش (بغديدا) وهي مركز القضاء وأكبر مستوطنة مسيحية في منطقة سهل نينوى، لم يعد إليها سوى 65 في المئة، وأقل من هذه النسبة بكثير في بلدة كرمليس المجاورة (28 كلم عن الموصل)، إذ كانت تضم خمسة الاف مسيحي، و17 ألفاً في ناحية برطلة (15 كلم شرق الموصل)، التي لم يصل عدد العائدين إليها إلى 40 في المئة.
أما في قضاء تلكيف (18 كلم شمال الموصل) ويضم بلدات باطنايا وتللسقف وباقوفا، فإن عدد سكانه من المسيحيين كان يزيد على 35 ألفا، لم تعد إليه سوى 30 إلى 40 عائلة، ولم تسجل بلدة باطنايا التي كانت الساتر الفاصل بين البيشمركة وتنظيم “داعش”، أي حالات عودة من مجموع 1000 أسرة، وفي بلدة الشرفية التي كانت تضم أكثر من 200 أسرة لم يبق فيها سوى20 عائلة فقط.
وعادت بضع عشرات من العائلات إلى مدينة الموصل من أصل 1400 أسرة، كان خيّرها التنظيم المتطرف بين الدخول في الإسلام أو دفعة الجزية أو المغادرة.
والرقم التقديري الأكثر تداولاً يوضح تقلص العدد الإجمالي للمسحيين في العراق إلى أقل من 300 ألف، بعدما كان يتجاوز المليون ونصف المليون قبل الغزو الأميركي للعراق في نيسان/ أبريل 2003. لكن ذلك لا يعني أن هجرة هذه الأقلية خلال فترة الحكومات المتلاحقة قبل 2003 لم تكن حاصلة وإن كانت على خطى بطيئة”.
ويقول المواطن المسيحي علاء جمال /33/عاما ” لا تنفك الاحداث المتتابعة في البلاد أن تلقي بظلالها على ملف عودة المسيحيين المهاجرين من البلاد، وما بين فكي الاوضاع الأمنية والاقتصادية يبقى المسيحي العراقي مشروع هجرة قائمة طالما سنحت له الفرصة، معربا عن حزنه لفقدان العراق لمكون رئيسي ومهم كالمكون المسيحي مبينا أن عودة المسيحين الى بلدهم مقترن بمدى جدية الحكومة العراقية في التعامل مع هذا الملف وإعادة الثقة للمسيحين بتوفير فرص العمل وتحقيق الامن والاستقرار ورفع التهميش الذي طالهم كونهم تركوا بلا عمل يعيلون به أسرهم “.
مؤكدا على أن صلواتهم وقداسهم خلال أعيادهم هي بالدعاء لأن يعم الامن والأمان في ربوع البلاد وأن تعود أجراس كنائسهم تدق وسط توافد أكبر وأبهى ليطوي واحدة من أقسى صفحات التاريخ فيما تعرض له أتباع هذه الديانة من اضطهاد وترويع.