علاء هادي الحطاب
أغلبُ النظم السياسية النيابية تُشَكَل حكوماتها بطريقة توافقية او بتعبير ادق ” محاصصاتية” لا سيما اذا لم يستطع حزب او مجموعة احزاب تشكيل اغلبية سياسية ليشكل حكومته وتمارس بقية الاحزاب في البرلمان دور المعارضة، وهنا تنتج لنا العملية السياسية حكومة تمثل اغلبية نيابية تقابلها معارضة نيابية وكلٌ يمارس دوره في اطار النظام السياسي وتحت سقف قوانينه، كما هو الحال في بريطانيا، اما اذا اشتركت جميع او اغلب الاحزاب والقوى السياسية في الحكومة فلا يبقى مجال لأي دور للمعارضة السياسية البناءة، وتزداد الخلافات السياسية حتى تتحول الى عُقد مستحكمة لا يمكن تفكيكها ويتحول ” تل ” الخلافات الى ” جبل” يستحيل ازالته، وهذا ما يحدث في العراق، اذ لم ينتج لنا هذا النظام السياسي عبر عمليات الانتخابات وتشكيل الحكومات – لم ينتج مجموعة تحكم واخرى تعارض، بل انتج عملية سياسية هجينة اذ كانت كل القوى السياسية مشتركة بالحكم ” بمستويات مختلفة ” وكلها تعارض وتنتقد حتى قوى الاغلبية في السلطة التنفيذية، لهذا استمرت الخلافات والازمات والمشكلات بين تلك القوى السياسية بل واستحكمت لمرحلة انهت كل عوامل وممكنات الثقة في ما بينها، الامر الذي رمى بظلاله على مستوى الاداء التنفيذي للمؤسسات وكذلك الاداء التشريعي سواء للبرلمان او مجالس المحافظات، بل واثر بشكل كبير حتى في الاداء القضائي، ما اسهم في تأخر تقديم الخدمات العامة للمواطنين، واستفحال الفساد حتى بات واقع حال مفروغا منه في اغلب القطاعات والادوار، فضلا عن التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية في اذكاء روح الخلاف وتأزيمها اكثر فأكثر، فاضحى السلوك السياسي لافراد وقوى واحزاب النظام السياسي مستجيبا فعّالا لتلك الازمات وتطويرها.
اليوم اذ اصبحت حياتنا على المحك جراء انتشار جائحة كورونا، وضعف قدرة نظامنا الصحي على مواجهتها، اضافة الى شبه انهيار مالي تمثل في عدم قدرة الحكومة على تمويل رواتب الموظفين والمتعاقدين في وقتها المحدد بسبب عدم وفرة المال الكافي لذلك، وتعطل المصالح العامة لغير الموظفين، مع استمرار التظاهرات وتعدد فئاتها ومطالبها واماكن تواجدها، كل ذلك وغيره يضع استقرار المجتمع والنظام السياسي على المحك، هنا لا نتحدث عن عدم استقرار السلطة، بل الامر اوسع من ذلك، اذ ان تفاقم تلك الازمات واستمرارها يهددان وجود النظام السياسي برمته لا السلطة التنفيذية فقط.
لذا بات من الضروري ان تستجمع القوى السياسية- كل القوى السياسية- نفسها وتجلس على طاولة عمل حقيقية لا مجرد كلمات، وتخرج بمخرجات فعلية وملزمة لانهاء دوامة الخلافات السياسية وحل ما يمكن حله، ووضع مقدمات لحل ما لا يمكن حله الان ” لا ترحيله” والخروج بسياسات عامة توفر الاستقرار الداخلي للبلاد وانهاء ممكنات عدم الاستقرار ايا كانت، فمن غير الاستقرار الداخلي لا يمكن مواجهة جائحة كورونا ولا يمكن تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، فضلا عن تقديم الخدمات لهم ورعايتهم بالشكل المطلوب، والاستجابة لمطالب المتظاهرين.
فمتى تقرر القوى السياسية انهاء خلافاتها والتفكير بما هو اوسع من ذلك؟