اسبوع بغداد كان طويلا.. وصراعا سريا خلف كواليس النجف

بينما كان المتظاهرون في ساحة حرب عند جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة، كانت تدور معركة اخرى خلف الكواليس في النجف، معركة جديدة قديمة بين النجف العراقية وقم الايرانية.

في 25 تشرين الاول انطلق الاف العراقيين في جولة ثانية من الاحتجاجات ضد الحكومة العراقية التي اصبح قرارها السياسي تحت قبضة ايران عبر رئيس الوزراء الكبير في السن والضعيف في اتخاذ القرارات عادل عبد المهدي، وهو رئيس الوزراء الخامس بعد سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الاميركية في العام 2003.

مطلع تشرين الاول قتل (150) متظاهرا لم تتجاوز اعمارهم 25 عاما، لكن الشنيع في القصة هي ان اكثر من نصفهم قتل عبر قناصة انتشورا في مباني عالية تبعيد مئات الامتار عن المتظاهرين، ملثمون بلباس اسود، كان واضحا انهم ليسوا من قوات الامن العراقية، قال رئيس هيئة “الحشد الشعبي” فالح الفياض بعد قمع الاحتجاجات “لقد افشلنا مؤامرة”، لكن مئات الالاف عادوا الى الشوراع مجددا ليقلبوا المعادلة.

قتل العلياوي

بعد ساعات من انطلاق الاحتجاجات الاكبر والاهم في البلاد منذ عقد الستينات، تم قتل قيادي في حركة “عصائب اهل الحق” في مدينة ميسان هو وسام العلياوي، مئات المحتجون في المدينة التي تعتبر معقلا رئيسيا للزعيم الشيعي الاخر مقتدى الصدر، اقتحموا مقر هذه الحركة الشيعية الموالية لايران وضربوا كل من كان فيها، تم نقل القيادي في سيارة اسعاف، لحقه المحتجون وحاولوا قتله، لاحقا تم قتله مع شقيقه في احد المستشفيات خارج المدينة.

في بغداد وبعد حفل عزاء القيادي المقتول، كان يجتمع ابرز قادة الفصائل الشيعية وعدد من الضباط وموظفين كبار في الحكومة ، بادر احدهم بالقول، ن “مقتل العلياوي رحمه الله تعتبر نقطة تحول لصالحنا، التظاهرات اصبحت ملوثة، ونستطيع مواجهتها”، روى ذلك لـ “نقاش” احد المسؤولين الكبار.

بعد ساعات وفي ظهيرة يوم الجمعة، وبينما كان ينتظر العراقيون خطابا مهما لرجل الدين الاكثر احتراما بين العراقيين وخصوصا الشيعة، علي السيستاني، حول موقفه من التظاهرات، تلا احد متحدثيه الرسميين عبد المهدي الكربلائي بيانا خجولا، حذر فيه المحتجين من اعمال العنف وحرق الممتلكات العامة والخاصة، ولم يشر الى مطالبهم في بأسقاط الحكومة وتوفير الخدمات والوظائف الا بشكل محدود، كما حذر من فوضى في البلاد

الافراط باستخدام العنف

بدى خطاب السيستاني غريبا وغير متوقع، لكنه لم يلقى اي استجابة من المحتجين الذي تدفقوا بشكل اكبر الى مباني الحكومة في بغداد وباقي المحافظات، تم احراق مباني الحكومة في الديوانية وذي قار، فيما صمدت قوات الامن في بغداد امام موجات المحتجين الساعين لاقتحام المنطقة الخضراء، عبر قطع الطرق المؤدية اليها بالحواجز الكونكريتية واستخدام كثيف للقنابل المسيلة للدموع عند حائط الصد الرئيسي عند جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الحضراء وعلى يمينه مقر السفارة الايرانية.

قال رجل دين في النجف قريب من الحوزة العلمية، وهي المدرسة الدينية الشيعية التي يقودها اربع من كبار رجال الدين على رأسهم السيستاني، ان الضغوط كانت كبيرة على النجف من ايران، كانت الرسائل الايرانية تتوالى الى النجف في رفض اسقاط حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وان التظاهرات يجب ان يتم وقفها بأي ثمن.

لكن التظاهرات تصاعدت، واصبحت كما يبدو موجهة ضد النفوذ الايراني في البلاد، عشرات اللافتات تنتقد المسؤولين الايرانيين، وتطالب بسيادة البلاد.

محاولة انهاء التظاهرات

في ثاني يوم من التظاهرات وفي بغداد، اصدر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي امرا الى جهاز مكافحة الارهاب بانهاء الاحتجاجات في ساحة التحرير حيث مقر التظاهرات الاكبر في العاصمة بغداد والمحاذية للمنطقة الخضراء، مجرد تسرب القرار الى العراقيين اشعرهم بالقلق، وقال ضابط عراقي كبير لـ “نقاش” ان “كبار ضباط جهاز مكافحة الارهاب شعروا بالتردد ودارت نقاشات مطولة بينهم”، هذه القوة العسكرية الشرسة التي اكتسبت الاحترام من قبل العراقيين خلال المعارك ضد تنظيم “داعش”، ستصبح سمعتها على المحك فيما لوشاركت في قمع المتظاهرين.

في مساء ذلك اليوم احتشد الالاف الشباب الغاضبين والمتحمسين من المحتجين في ساحة التحرير، كان من الصعب تفريقهم دون حصول مجزرة، تم انتظار اليوم التالي الاحد وهو اول أيام الأسبوع وبدء الرسمي في البلاد، كانت الحكومة تعول على تراجع المتظاهرين متوجهين الى اعمالهم وكذلك حركة سير السيارات في الساحة قد تؤدي الى تفريقهم، ولكن حصلت مفاجأة غير متوقعة.

صعوبة تفريق التظاهرات

آلاف الطلبة من المدارس والجامعات وموظفو الدوائر الحكومية يتوجهون نحو ساحة التحرير معلنين اعتصامهم تضامنا مع المتظاهرين، غطت القمصان البيضاء الساحة، واصبحت مهمة تفريقهم اكثر صعوبة، وكان يصعب تخيل ما قد يحدث فيما لو قتل طالب حاملا حقيبته ولم يتجاوزعمره 15 عاما.

ازداد زخم الاحتجاجات، وكان من الصعب تفكيكها، فتحولت ساحات التظاهر في بغداد وباقي المحافظات جنوب البلاد الى كرنفال احتفاء بالاناشيد الوطنية والاعلام العراقية، تمكن المحتجون من السيطرة على بناية عالية مطلة على المنطقة الخضراء، اصبحت رمزا للتظاهرات وكانت في السابق مطعما تركيا.

يومي الاثنين والثلاثاء دارت نقاشات مكثفة بين كبار القادة السياسيين في البلاد لايجاد مخرج للازمة بمتابعة ايرانية حازمة، في ذات اليوم عاد مقتدى الصدر الى العراق نحو مدينته النجف بعد اشهر قضاها في ايران، وجه الصدر رسالة صارمة الى رئيس الوزراء مطالبا اياه بالاستقالة، لكن الكتلة البرلمانية الاقوى في البرلمان بقيادة هادي العامري القريبة من ايران، رفضت ذلك بشدة.

سيل الوعود

تزايدت اعداد المتظاهرين برغم سيل القرارات التي اتخذتها الحكومة والبرلمان في توفير الوظائف، وتحسين الاوضاع العامة، حتى ان الطاقة الكهربائية التي تعتبر مشكلة اساسية في البلاد، لم تنقطع في هذا الاسبوع كثيرا.

وجد السيستاني نفسه امام اختبار جديد لدوره امام الازمة السياسية الاكبر في البلاد بعد عام 2003 مع الضغط الايراني الشديد، لكنه اتخذ سلسلة قرارات سرية نحو تحجيم الضغوط ودعم المحتجين، فجأة أيد السيستاني انضمام طلبة الحوزة الدينية في النجف الى المتظاهرين، فتح مرقدي الامامين الحسين والعباس ابوابها لتقديم الطعام والمياه الى المتظاهرين، بينما القيت خطاب ديني في احد مساجد المدينة ينتقد بشدة من يقف وراء قتل المتظاهرين عبر القناصة ويشير الى ايران.

هذه الخطوات كانت كافية لان تكشف موقف السيستاني الجديد في يوم الجمعة الماضية، بعد سبعة ايام من التظاهرات التي اصبحت اقوى وأشد اصراراً، لاحقاً تلا المتحدث الاخر باسم السيستاني احمد الصافي خطاب الأسبوع وقال فيه “لا يحق لأي طرف اقليمي او دولي فرض رأيه على ارادة العراقيين”، كان واضحا انه يقصد بذلك ايران التي رفضت استبدال رئيس الوزراء، كما حذر السيستاني الحكومة من استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين عبر استخدام قوات الامن او غيرها”، في اشارة واضحة الى قوات “الحشد الشعبي”.

مواجة الضغوط

ابلغ رجال دين اثنين مقربين من السيستاني ان “حجم التظاهرات وتأييدها من قبل جميع العراقيين عبر مسيرات عفوية في الشوارع رافعين الاعلام فوق منازلهم، اعطت السيستاني قوة كبيرة لمواجهة الضغوط”، واضاف احدهم ان “السيستاني لم يتطرق في خطبته الى قرارات سياسية، لانه يعتقد ان التظاهرات ستتواصل وان الحديث عن الوضع السياسي ما زال مبكرا”.

عن موقع نقاش

التظاهراتالعراقالعراقيةكواليس