باكستانيون يحطون رحالهم في العراق.. والغايات متعددة
باكستانيون يحطون رحالهم في العراق.. والغايات متعددة
رسول علي
لطالما كان العراق وعلى مر العصور وجهة لكثير من المهاجرين ومن مختلف الجنسيات لما يملكه
العراق من مكانة اقتصادية واجتماعية وثقافية كما هو الحال في العهود الاسلامية القديمة وخصوصا
العهد العباسي ,او حتى في العصور الحديثة ولاغراض عدة منها السكن او الدراسة او الهجرة …
ونتيجة للتغييرات السياسية والطائفية التي عصفت في مناطق غرب اسيا او المشاكل الاقتصادية التي
تعاني منها تلك البلدان عاد العراق ليكون الوجهة لسكان هذه البلاد ومكانا ممتازا للهجرة .. العديد
من هذه الدول اصبحت تتسابق لكي تسجل حضور عددي من ناحية اليد العاملة في هذا البلد,
مثل بنغلادش وباكستان وافغنستان وايران والهند والصين وغير من هذه الدول .. ولعل الذي
جذب انتباهنا هم الباكستانين وطريقة حضورهم ودخولهم للعراق وخصوصا ان عددهم وعبر احصائيات غير رسمية تجاوز 200 الف نسمة توزعت على محافظات البصرة والنجف وكربلاء وبغداد …
البصرة محط انظار العاملين الاجانب
ففي البصرة (جنوب العراق والمطلة على الخليج) الوجهة الابرز لاغلب المهاجرين بسبب
وجود عدد من الموانيء المطلة على الخليج وكذلك وفرة الحقول النفطية والشركات الاجنبية التي تعمل هناك في استخراج النفط.. لم يكن التجوال او طرح السؤال سهلا خصوصا اثناء فترة حدوث المظاهرات
التي انطلقت في تشرين عام 2019 , ومن حسن الحظ ان الفندق الذي سكنا فيه في هذه المحافظة
ان احد العاملين فيه هو باكستني الجنسية اسمه (ارسلان) جاء للعمل في احدى حقول النفط لكن
لم يوفق لهذا السبب , جاء ارسلان من مدينة (ناصيراباد) في اقليم بلوشتان الى مدينة (مشهد)
الايرانية بالطائرة وتوجه الى العراق عبر مطار النجف وبعد ان ادى طقوس الزيارة الدينية في كربلاء والنجف عاد الى البصرة لكي يحقق حلمه في العمل مع الشركات النفطية العاملة هناك, لكن هذا الامر
ليس بالسهل فاول شي واجهه هو موضوع الاقامة في العراق حيث ان الشركات هي مسؤولة
عن هذا الموضوع حيث توفر اقامات لموظفيها في الدول التي تعمل بها , وان ارسلان يملك تاشيرة
زيارة فقط وهو مما يجعله غير مرغوب فيه للعمل وكذلك الاختصاص حيث هو لم يملك شهادة اختصاص او خبرة تؤهله للعمل في هذه الشركات , وكذلك اللغة الانكليزية التي حاليا يعمل على اجادتها بالاضافة للغة العربية اي عليه تعلم لغتين في ان واحد, ولحل هذا الموضوع اضطر ارسلان للعمل في احد الفنادق كعامل خدمة في البصرة براتب لايتجاوز 400$ دولار شهريا بالاضافة الى الاعمال الاضافية التي يكلف بها والبقشيش, لسد حاجته المالية هنا ومصاريفه ولكي لايعود الى بلده حاملا فشله معه , وعن موضوع الاقامة يقول اتفقت مع احد ضباط الاقامة لكي يتم تجديد الاقامة كل 3 اشهر لقاء مبلغ مالي لايتجاوز 150$ , ويبدو انه غير راغب بالبقاء في العراق طوال حياته بسبب غلاء المعيشة حسب تعبيره , هدفه الان هو جمع المبلغ المالي اللازم الذي يمكنه في العمل مع احدى الشركات الكبرى في احدى دول الخليج او انتظار الفرصة للعمل مع احدى الشركات النفطية في العراق عندها ستتغير طموحه واهدافه …
في النجف الدراسة الغرض الاساس
في النجف الامور كانت غير سهلة عند توجههنا الى منطقة سكن اغلب الباكستانيين في النجف,
وهي منطقة تسمى (سور المدينة القديمة) او مايعرف بحي الشافعية القريبة من مرقد الامام علي
عليه السلام الامام الاول عند الطائفية الشيعية في العالم , منطقة تجاوزات (عشوائيات) تفتقر
لابسط مقومات العيش يسكنها طلبة الدراسات الدينية الباكستانيين الذين قدموا الى النجف
لدراسة الحوزة الدينية .. صورة مغايرة لما نقلته بعض الفضائيات المحلية التي شنت
عليهم هجمة اعلامية بحجة انتشار الايدز والتجارة الجنسية , بعضهم اتى مصطحبا معه عائلته
واطفاله لان دراسة الحوزة تتطلب سنوات كثيرة تترواح من 18 الى غاية 30 سنة واكثر ,
وهي مدة ليست بالقليلة بالنسبة لشخص لديه عائلة واطفال , الكثير منهم رفض التحدث الا
ان حضينا بطالب حوزة باكستاني اسمه (حسيب) يبلغ من العمر 22 سنة حدثنا عن رحتله الى
العراق , حسيب قدم من مدينة كويتا الباكستانية (تقع غرب باكستان قرب الحدود مع أفغانستان)
لاكمال الدراسة الدينية (دراسة الحوزة) الى مطار النجف وقد قال انه قدم اوراق القبول عبر الانترنت
في حوزة اية الله الشيخ بشير النجيفي (احد المراجع الشيعة الكبار في العراق باكستاني الجنسية) .. وفعلا تم القبول وبالنسبة للاقامة فهو يتشارك السكن في منطقة سور المدينة القديمة مع اربعة طلاب اخرين في بيت لاتتجاوز مساحته ال100 متر , وبالنسبة لمصاريفه فهو ياخذ راتب من الحوزة مابين 300 الى 350 الف دينار عراقي شهريا مايعادل 200$ وهي غير كافية للعيش في العراق حسب قوله , وعن عودته الى موطنه الاصلي او بقاءه الى العراق ” يقول مبتسما اترك الامر الى الله ويمكن اصبح مرجعا وابقى هنا في العراق ” , وبالنسبة لموضوع الاقامة وتجديدها لم يعطنا اي مسؤول في النجف اي معلومات عن عددهم او طريق دخولهم وذلك بسبب قناتين فضائتين محليتين عملا تقارير تلفزيونية اظهرتهم اي الباكستانيين انهم يمارسون الزنا والسرقة وتجار المخدرات وهذا سبب لهم مشاكل كثيرة داخل المجتمع وكذلك مشاكل امنية خطيرة .. وهذه التقارير حسب تصريحات المسؤولين في النجف غير صحيحة ومفبركة ….
بغداد الوجهة الامثل للعمل
في بغداد لم يكن الامر مختلف على الصعيد الرسمي , وقد حاولنا ترتيب موعد مع السفير الباكستاني او اي مسؤول في السفارة ولم ينجح الامر , وبالنسبة للاقامة الامر نفسه معها .. في بغداد اصحاب المطاعم التجاوا الى العمال الباكستانيين وتفضيلهم اياهم عن سواهم من البنغال والهنود لاسباب منها الدين الاسلامي , وكذلك النظافة , والشكل الجميل واللطيف .. وبعضع الباكستانيين يمارسون اعمال التسول هم وعوائلهم في مناطق المراقد المقدسة وخصوصا في الكاظمية ومنطقة الشيخ عبد القادر الكيلاني , وهؤلاء اغلبهم اتوا مع شركات سياحية لغرض الزيارة ونتيجة نقص الاموال لديهم وكثرة المصاريف التجوا الى التسول حسب كلامهم.. ولفترة مؤقتة في المدن الدينية والتي تشهد كثافة سكانية جيدة.
في بغداد التقينا بــــ ( دلوار) وهو مواطن باكستاني اتى من مدينة (ملتان) الباكستانية الى
مدينة النجف لدراسة الحوزة وقضى بها سنتين وحاليا هو في بغداد , مع اولاد عمه احدهم
يعمل في معمل حدادة في بغداد والاخر خباز , دلوار حاليا يعمل عامل مشغل في احدى
مولدات الكهرباء الاهلية ويحدثنا عن رحلته من باكستان الى النجف والتي كلفته تقريبا بحدود 1200$
شملت التنقل والفيزا , النجف لم تكن حلم حياته ولكنه بقى فيها لحين اكمل مرحلة من مراحل
الدراسة الدينية , وثم انتقل للعمل في بغداد لان فيها فرص عمل كثيرة ووضعها الاقتصادي
افضل بكثير من النجف , وحاليا يتقاضى راتب قرابة 500$ من عمله كمشغل للمولد, وعند سؤالي عن الاقامة كيف الحل لها وخصوصا انه اتى كطالب دراسة وليس كعامل , اجاب ” انه متفق مع احد المحاميين في بغداد يجدد له الاقامة سنويا لقاء مبلغ مالي” , وهنا تتيح ثغرة قانونية في القانون العراقي للمقيم في العراق الاقامة وتجدد له سنويا على شرط ان يقدم لجوء عن طريق العراق في احد مكاتب الامم المتحدة للاجئيين , وبالفعل دلوار مقدم طلب لجوء وهو حاليا يجمع الاموال من عمله وحلم حياته هو الذهاب والسكن في ايطاليا , ويعتبر العراق وعمله وسكنه فيه هو مرحلة انتقالية ليس الا … نرى ان حياة الباكستانيين في العراق ليست بالجميلة او المريحة, اغلبهم هنا مقيم بسبب الدارسة الدينية والنصف الاخر للعمل ,او كاقامة مؤقتة .. فهم حطوا رحالهم بالعراق لغايات متعددة ..وجودهم وطرق دخولهم الى العراق تتطلب دراسات وابحاث وتشريع قوانين لتنظيم حياتهم واقامتهم في العراق…
باكستانيون يحطون رحالهم في العراق.. والغايات متعددة