علاء الحطاب في عمود خارج الصندوق ” كورونا الإشاعة “
كتب علاء الحطاب في عمود خارج الصندوق ان جاوز التنافس والصراع وحتى الحروب بين
الدول تلك الاليات التقليدية او ما كانت تُعرف بالقوة الصلبة القائمة على أساس المواجهة العسكرية
واستخدام السلاح كوسيلة وحيدة للمواجهة والصراع وان استُخدمت الحرب النفسية والاشاعة
كجزء من هذه الالية في الصراع والحروب، بعدها تطورت طبيعة الصراع الى ما يُعرف
باستخدام ” القوة الناعمة ” soft power ومؤدى ذلك هو تفتيت قوة الخصم من الداخل
وبشكل تدريجي من دون ان يشعر بها، ونظر المفكر الأميركي الدكتور “جوزيف ناي”
كثيرا لهذا المفهوم في كتابه القوة الناعمة، وبعدها تطور هذا المفهوم الى استخدام ما بات
يعرف ” بالقوة الذكية” smart power وهي استخدام مزيج من أدوات الصراع الصلبة
والناعمة وغيرها في تفصيل لسنا بصدده الان، بعدها دخل جيل جديد من اليات الصراع
والحروب وما بات يعرف بـ” الحروب السبرانية” cyber wars القائمة على استخدام
تكنلوجيا المعلومات الرقمية في هذا الصراع، وتعتمد قوة هذه الالية على التفوق التكنلوجي أولا
وأخيرا.
واليوم يبدو اننا دخلنا في مرحلة صراع جديدة من نوعها بين الدول من خلال بث الاشاعات
داخل الدولة الخصم وتهديمها نفسيا، أي ان الدول تنقل صراعها الى داخل خصومها ليس عن
طريق العملاء، بل عن طريق بث الاشاعات واستخدام تكنلوجيا المعلومات الرقمية الحديثة،
لتوجيه تلك الاشاعات بشكل احترافي ومتعددة الوسائل والأدوات، سيما وان العالم لم يُعد قرية
صغيرة فحسب بل اصبح العالم كله بمقدار كف اليد الواحدة وما تحمله من جهاز الهاتف النقال
على مدار الساعة، اذ ان العالم واخباره وكل ما يتعلق بحياة الانسان بات ” الموبايل” يوصلها
له باعتباره وسيلة الاتصال والتواصل الأقرب والاسرع والأكثر تأثيرا على المتلقي، فبمقدار
استخدامه لهذا الجهاز ومعرفته وحنكته لفرز الغث من السمين سيكون لهذا الجهاز وما ينقله تأثير
مباشر على حياته بشكل عام.
وفايروس كورونا الأخير دليل واضح على استخدام تلك الدول للاشاعة في ضرب خصومها،
لذا نرى دولا معينة تركز على انتشار الفايروس في بلد معين وتغض النظر عن انتشاره بذات
الحجم واكبر في بلد اخر، وبأكثر من صيغة خبرية وإعلامية ونفسية واكثر من آلية واداة ووسيلة،
حتى تشعر ان الخطر دهمك من هنا وليس له وجود هناك، مع ان الوقائع تشير الى ان هذا الفايروس
لخطير ينتشر كالنار في الهشيم في كل الدول، ولا يعرف طائفة او ديانة او عرقا او ايدلوجية لهذه
الدولة او تلك، والمتتبع لمسار ” تسويق” انتشار الفايروس في اليومين الماضيين وتوجيهه باتجاه
دول معينة من قبل وسائل اعلام لدول لها صراع مستمر يلحظ جيدا طريقة إدارة الشائعات ومدى
تأثيرها على هذه الدولة والدول المجاورة لها، والتي ترتبط اقتصاديا واجتماعيا بروابط كثيرة.
والعراق اصبح مساحة وبيئة خصبة لانتشار الشائعات بطريقة خطيرة ومقلقة جدا،
فبإمكان الاشاعة
ان تجعل من الليل نهارا والنهار ليلا ونجد من يصدق ذلك، لعدم وجود أي نظام ” للنشر” والاتصال
والتواصل، وهذا الامر ليس بمعزل عن وضع البلد العام وما يمر به من فوضى وعدم السيطرة
على كل شيء.
فإذا اردنا ان نعمل بشكل صحيح فلابد ان نبدأ بأسرنا من خلال إبعاد الأطفال والمراهقين والشباب
قدر المستطاع من التفاعل مع كل ما يُطرح في مواقع التواصل الاجتماعي من دون تمحيص او
فرز او تدقيق، وعلينا كنخب ان نثقف انفسنا ومنها الى عوائلنا ومن ثم شارعنا ومدارسنا و
جماعاتنا للتعامل مع الاشاعات.
علاء الحطاب في عمود خارج الصندوق ” كورونا الإشاعة “