احتجاجات الناصرية توفّر فرص عمل للعاطلين وسط الدخان والرصاص

مرتضى الحدود

اعتاد عباس على التحرك بسرعة بين السيارات عارضا بضاعته من الورق الصحي ومتعرضا للزجر والطرد من قبل السواق والركاب أحيانا حينما يقوم بتنظيف الزجاج حتى اندلعت المظاهرات فعثر على مصدر رزق جديد له.

لم يتجاوز عباس علي حمزة ربيعه السادس عشر الا انه تحمل مسؤولية اعالة عائلته المكونة من خمسة افراد، وبعناده لم تحُل الظروف الاقتصادية بينه وبين المشاركة في الاحتجاجات الاخيرة التي اجتاحت محافظة ذي قار جنوبي العراق.

يقول لمراسل ” نقاش” أنه تعرض لإطلاق نار اثناء المشاركة فيها ويضيف “كدت ان اصاب بطلق ناري عندما أنهمر علينا وابل من الرصاص الا انني استترت بأحد المنازل التي كانت قريبة من المبنى الحكومي الذي تظاهرنا قبالته”.

المتظاهر الصغير لا يوفر له عمله في الطرقات الدخل الكافي للإيفاء باحتياجات العائلة وهو يقول عن وضعهم الاقتصادي “في أفضل الأحوال لا يزيد دخلي اليومي عن (15) ألف دينار يوميا وهو مبلغ لا يسد رمق عائلتي خاصة وأن ابي معاق وأمي مريضة وشقيقتي الاثنتين عاطلتان عن العمل”.

فرص عمل مؤقتة

لازم عباس ساحة الاعتصام في الناصرية مركز المحافظة منذ انطلاق الاحتجاجات في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي وحتى الان، مكتشفا فرصة عمل وتعاطف اجتماعي معه، وهو منشغل في ترديد الشعارات وتقديم الخدمات للمعتصمين هناك .

وتعرض الفتى الكادح لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع ودخل في لعبة الكر والفر بين المتظاهرين والأجهزة الامنية وتطاير فوق رأسه الرصاص الحي، وكلما توترت الامور استأمن بضاعته القليلة لدى احد المحال القريبة من المكان.

ووفرت ساحة الاعتصام في الحبوبي له مصدرا للعمل وبيع الأعلام العراقية والأوشحة التي تسمى “المشمر” والقبعات الملونة، ووجد عباس زاوية من زوايا الساحة لعرض بضاعته التي لاقت رواجا كبيرا برغم ظهور منافسين له، اضافة إلى حصوله على وجبات طعام مجانية من قبل اصحاب السرادق المتواجدين هناك.

العمل الجديد

ويقول بشأن ذلك ” وفر عملي الجديد لي شيئين مهمين له أولهما يتمثل في وجودي ضمن الاعتصام لأني اعرف ماذا يعني الفقر والعوز والجوع وثانيا توفير عمل اعتاش منه”.

واسهم اتساع رقعة الاحتجاجات في حركة اقتصادية متنوعة داخل الاسواق المحلية بتنشيط جوانب كانت غائبة للفترات الماضية ولم يكن الاقبال عليها إلا في مناسبات معينة.

ميثم جبار الذي يقف مع طفلتيه امام بضاعة عباس ليتزودوا بالإعلام يقول لمراسل ” نقاش” ان شراء العلم ورفعه امر مفروغ منه ويضيف “لاحظت ظاهرة بيع الاعلام العراقية في ساحة الاعتصام، كما أن الاعلام معروضة بكثرة في المكتبات القريبة، إذ ان رفع الاعلام اصبح اشبه بالواجب الوطني تعبيرا عن انتمائك لهذا البلد ورفض للطائفية”.

ولا يقتصر الأمر على باعة الأعلام فالاعتصامات وفرت فرص عمل لشباب اخرين من خلال التقاط الصور او الرسم على الاذرع والوجه، بل تعدى ذلك الى اصحاب المطابع الكبيرة الذين لبوا رغبة المتظاهرين في طباعة صور الضحايا على الالبسة التي يرتدونها او صورا ساخرة من الواقع الحكومي او الشعارات والمطالب الشعبية.

ويفكر عباس في توسيع مكان عمله الجديد الذي لا يتجاوز مساحته المترين بهدف استغلال هذه المرحلة التي قد لا تطول كثيرا ويقول “أرغب ببيع الألعاب النارية التي تزين سماء الاعتصامات ليلا وكذلك اقنعة التنكر التي يرتديها الشباب وهم يرقصون على انغام الموسيقى او استخدامها بشكل تمثيلي للتعبير عن المساوئ الخدمية والسياسية”.

وفي الجانب الاخر من الساحة وقف رجل ستيني يكنى بابي احمد اعتاد أن يشتري في كل مرة حزمة من الاعلام ليقوم بتوزيعها مجانا على المتظاهرين، في مبادرة منه لدعم عباس والباعة الآخرين.

اكتشاف المواهب

يقول علاء الطائي باحث في الشأن الاقتصادي ان التظاهرات الاخيرة التي اجتاحت المحافظات العراقية كان لها اثارا ومفارقات لم تحصل سابقا، منها اكتشاف المواهب والأعمال الفنية والتطوعية بين الشباب والشابات، بل تعداها الامر الى ترميم البنى التحتية التي عجزت عنها المؤسسات الحكومية في ساحات الاعتصام.

ويضيف لمراسل ” نقاش ” حول المردود الاقتصادي للمظاهرات “كان اثر الاحتجاجات ايجابيا إذ انها حركت العجلة الاقتصادية للمشاريع الصغيرة وراجت سوق السلع الاستهلاكية كالأطعمة وغاز الطبخ والمستلزمات الطباعية كالأوراق والأعلام العراقية بشكل كبير، وفي المقابل تسببت نوعا ما بكساد سوق الاجهزة الكهربائية والمنزلية او العقارات”.

( 150 ) الف عاطل

الإحصائيات الحكومية الأخيرة في ذي قار كشفت عن اكثر من ( 150 ) الف عاطل عن العمل مسجلين لديها من ضمنهم أصحاب الشهادات العليا، فيما صنفت المحافظة الغنية بالنفط والأراضي الزراعية بحسب وزارة التخطيط العراقية انها الرابعة على مستوى العراق في مستوى الفقر.

الطفلة ياسمين ذات الـ (10 ) سنوات يعلو خدها وشم للعلم العراقي وهي تعتلي كتف أبيها مشاركة بالهتافات وتلف حول رقبتها وشاحا مطرزا بالوان العلم العراقي اشترته بثلاثة الاف دينار، بعدما وفرت المبلغ من مصروفها اليومي.

عباس الذي يحلم بتطوير عمله يتملكه هاجس انحلال عقدة الاحتجاجات التي وفرت له مدخولا مناسبا، من دون أن تتحقق المطاليب بإيجاد فرص عمل أو قروض لأمثاله، فيعود به الحال الى طرقات الناصرية .

عن موقع نقاش